حقيقة دعوة سيد قطب للعرى

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
حقيقة دعوة سيد قطب للعرى


الاثنين,01 سبتمبر 2014

د صفوت حسين

كفر الشيخ اون لاين | خاص

ذكر الأستاذ محمود عبد الحليم في مذكراته " الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ ن سيد قطب كتب مقالا في الأهرام يدعو فيه إلى العرى التام وأن يعيش الناس عرايا كما ولدتهم أمهاتهم،وأنه كتب مقالاً للرد عليه وعرضه على الشيخ حسن البنا الذي رأى أنه من الأفضل عدم الرد على هذه الدعوة،وكانت وجهة نظره تنحصر في أن نشر الرد سيترتب عليه عدد من النتائج وهي :

1- أن نشر الرد سيثير اهتمام الذين لم يقرأوا المقال الأصلي إلى البحث عنه وقراءته كما سيدفع الذين قرأوه قراءة عابرة أن يقرأوه مرة أخرى قراءة متأنية مما سيؤدي إلى إبراز فكرة المقال وسيصبح موضع مناقشة واهتمام .

2 - أن الرد نوع من التحدي،والتحدي يخلق في نفس المردود عليه نوعا من العناد ، وهذا العناد يجعله يتعصب لرأيه مهما اقنتع بخطئه،ونكون بذلك قد قطعنا عليه خط الرجعة وفي هذا خسارة نحن في غنى عنها .

3 – أن الكاتب شاب وترك الفرصة أمامه للرجوع إلى الحق خير من إحراجه وما يدريك لعل هذا الشاب يفيق من غفلته،ويفئ إلى الصواب،ويكون ممن تنتفع الدعوة بجهوده في يوم من الأيام .

وقد اقتنع محمود عبد الحليم - حسب روايته - برأي حسن البنا وقام بتمزيق المقال الذي كتبه بين يديه .

ومن الواضح أن هذه الرواية تصب في خانة الإشادة بكل من حسن البنا وسيد قطب فهي تبرز بعد نظر حسن البنا وحسن توقعه للأمور،ولعل العنوان الذي اختاره محمود عبد الحليم عند الحديث عن هذه الرواية يوضح ذلك حيث كتبه تحت عنوان "بصيرة نافذة ورأى ملهم "

أما بخصوص سيد قطب فهي تبرز مدى التحول الكبير في حياته من إنسان يدعو إلى العرى إلى مفكر إسلامي كبير يدفع حياته ثمنا للفكرة الإسلامية التي يؤمن بها .

وقد تباينت ردود الأفعال حول هذه الرواية ما بين الترحيب والاحتفاء بها خاصة من جانب الإخوان،وبين الدعوة إلى الحذر والحيطة والدعوة إلى التثبت من مصداقيتها كما دعا إلى ذلك د. يوسف القرضاوى في مذكراته،بينما ذهب فريق ثالث إلى إن إنكار ونفى هذه الرواية جملة وتفصيلاً،وقد تبنى هذا الرأي الكاتب الصحفى حلمي النمنم الذي فند هذه الرواية في كتابه " سيد قطب وثورة يوليو"،وقد بني رأيه على عدة أسس هي :

1 - أن أحد الباحثين قام بدراسة للماجستير عن سيد قطب في قسم التاريخ بجامعة عين شمس،وقد قام الباحث بالتحري عن هذا المقال المزعوم في عدد 17 مايو 1934 فلم يجده،وأن الأهرام لم ينشر قبل ذلك التاريخ ولا بعده لسيد قطب مقالاً بهذا المعنى أو يحمل تلك الدعوة .

2 – أن جريدة الأهرام كانت دائما صحيفة تقليدية محافظة وكان يهم القائمين عليها ألا تصطدم صحيفتهم بتقاليد المجتمع وأعرافه.

3 - أن سيد قطب كان حديث التخرج من كلية دار العلوم وكان مهتما بالنقد وكتابة الشعر،ولم يكن من دعاة العرى ، وأن كتاباته في تلك الفترة المبكرة تحمل أفكاراً على عكس ذلك حيث كتب في أبريل ومايو 1929 ثلاثة مقالات ندد فيها بالاختلاط وهو ما ينفي دعوته إلى العرى تماماً .

وقد خلص الكاتب إلى القول : "نحن إذا بإيذاء " سيناريو " تخيله كاتب الإخوان ربما لإبراز قدرة المرشد الأول الفائقة على " الحدس والاستبصار " أو التنبؤ بعيد المدى بالغيب وما تخفيه الأيام وربما رغبته في إضفاء مزيد من الدراما على حياة وشخصية سيد قطب - لضان مزيد من إعجاب القراء المتابعين لشخصيته ذات التحولات العاصفة!! ولعلها رغبته في إبراز جاذبية دعوة الإخوان وفكرتهم وقدرة تلك الفترة على صنع الأعاجيب في حياة بعض الأفراد.

أيا كان السبب فإن تلك الرواية " المتخيلة والمتوهمة" وجدت من بتناقلها وبسرعة لتزداد الهالة الأسطورية حول شخصية سيد قطب " ويبدو أن الأستاذ حلمي النمنم لم يطلع مباشرة على ما كتبه محمود عبد الحليم وأنه استند إلى ما ذكره الباحث في رسالته عن سيد قطب ، ولو اطلع على ما كتبه محمود عبد الحليم مباشرة لعلم أنه لم يحدد تاريخا محددا ولا سنة بعينها لمقال سيد قطب وإلا كان أمر التثبت من روايته سهلا وميسورا هذا فضلاً عن أن التاريخ الذي ذكره الباحث - حسب رواية حلمي النمنم - لا يمكن أن يكون صحيحا لسبب بسيط،وهو أن محمود عبد الحليم حسبما ذكر في مذكراته قد انضم إلى جماعة الإخوان عقب حادث كوبرى عباس،وقد وقعت هذه الحادثة يوم 14 نوفمبر 1935- وليس عام 1936 كما ذكر محمود عبد الحليم - وعلي هذا يكون محمود عبد الحليم قد انضم إلى جماعة الإخوان في نوفمبر 1935 أي بعد التاريخ الذي ذكره الباحث بعام ونصف هذا فضلا عن أنه من المستبعد أن يكون المقال الذي ذكره محمود عبد الحليم كان في فترة مبكرة من التحاقه بجماعة الإخوان حيث يذكر في مذكراته أنه ذهب إلى حسن البنا بالمقال الذي كتبه رداً على دعوة سيد قطب كدأبه في المقالات التي يكتبها في غير مجلة الإخوان،وهو الأمر الذي يعني أن هذه الواقعة قد حدثت بعد فترة ليست بالقصيرة من انضمامه للإخوان أهلته للكتابة في مجلة الإخوان وغيرها من الصحف .

وعلى ما أذكر فقد استوقفتنى هذه الرواية عندما قرأتها لأول مرة وأنا طالب بالجامعة منذ أكثر من 25 عام وكانت محل إعجابي وتقديري بالرغم من عدم تثبتى من مصداقيتها،وقد ظلت هذه الرواية ترد على خاطري من حين لآخر عند مطالعة ما يكتب عنها سواء بالتأييد أو الرفض،وإن كان موقفي منها قد اتسم بالحذر والشك وهو أمر طبيعي لأي باحث لابد أن يكون الشك هو منهجه حتى يتحقق من صدق هذه الرواية،وكان الشيء الوحيد الذي يقطع الشك باليقين حول هذه الرواية هو الوصول إلى مقالة سيد قطب - إن وجدت - وهو أمر كان يتطلب جهد كبير في متابعة أعداد الأهرام مدة طويلة،وقد شغلني عن هذا الأمر انشغالي بالدراسات العليا التي أقوم بعملها إلى أن وقعت عيني قدرا على مقال صغير بمجلة الإخوان " النذير " بعنوان " النفوس الميتة" يتحدث عن مقال في الأهرام نشر بتاريخ 10-7-1938 يدعو صاحبه سيد قطب إلى العرى على الشواطئ ، وكان هذا المقال الخيط الأول الذي يؤكد أن ما ذكره محمود عبد الحليم له ظل من الحقيقة،وأنه ليس "سيناريو" تخيله كاتب الإخوان- كما ذكر الأستاذ حلمي النمنم - وكانت الخطة الأساسية هي الرجوع إلى المقال نفسه للتحقق من دقة ما ذكره محمود عبد الحليم من دعوة سيد قطب إلى العرى،ولكن حال دون ذلك عدم وجود هذا العدد بدار الكتب نظرا لتمزقه وقيام الدار بترميمه هو والأعداد الأخرى الممزقة .

وقد انشغلت مرة أخرى عن هذا الأمر إلى أن أتيح لي الإطلاع على المقال في دار الكتب منذ فترة قليلة فرأيت من الواجب عليَّ الكتابة حول هذا الموضوع وتوضيح ما ذكره محمود عبد الحليم بهذا الصدد .

ومقال سيد قطب يحمل عنوان " خواطر المصيف : الشواطئ الميتة !" وليس "النفوس الميتة " كما ذكرت مجلة "النذير" - سواء على سبيل الخطأ أو التقريع لكاتب المقال - ويتحدث سيد قطب في هذا المقال عن خلو شواطئ الإسكندرية من المصطافين على الرغم من أننا في شهر يوليو في الوقت الذي يتزاحم فيه المصطافين على السفر إلى الخارج،وهو الأمر الذي يؤدي إلى خسارة كبيرة للشواطئ المصرية بينما تتدفق الأموال على شركات السفر وشركات السياحة والفنادق ألأجنبية،ويلوم سيد قطب الحكومة والشركات التي لم تفعل أي شيء لتجميل المصايف المصرية وإدخال وسائل التسلية والمتعة إليها بعد أن أصبحت الشواطئ خالية من وسائل التسلية والاستمتاع "حتى الأجسام العارية الرشيقة لا وجود لها وأن العين تتخطى عشرات القدود،حتى تقع على قد رشيق لأن الطبقات التي قصدت المصيف في هذا العام ليست على ما يرام" ثم ينتقل سيد قطب للحديث عن العرى على الشواطئ فيذكر " أما حديث الأجسام العارية فقد كان لي فيه رأى منذ سنوات لا بأس من إبدائه.ان الذين يتصورون العرى على الشاطئ في صورته البشعة الحيوانية المخيفة جد واهمين وهم : إما لم يذهبوا إلى الشاطئ ولكن قرأوا أو رأوا الصور المنشورة في الصحف،وإما ذهبوا وفى نيتهم أن ينتقدوا فعاشوا في الصورة الخيالية المشوهة في أذهانهم،ولم يعيشوا على الشواطئ والأمواج .

ليس في الجسم العاري على " البلاج " فتنة لمن يشاهده ويراه في متناول عينه كل لحظة،وأفتن الأجسام هناك هي المستترة في " البرنس" أو " الفستان " أما في المايوه فهي لا تجذب ولا تثي،وإن أثارت شيئاً فهو الإعجاب الفني البعيد – بقد ر ما يستطاع- عن النظرة المحفوفة المرهوبة ! ... فالذين يدعون إلى إطالة "لباس" البحر وإلى ستر الأجسام بالبرانس إنما يدعون في الواقع إلى إثارة الفتنة النائمة، وإيقاظ الشهوات الهادئة وهم يحسبون أنهم مصلحون !! "

وينتهي سيد قطب في مقاله إلى الدعوة إلى "أطلقوا الشواطئ عارية لاعبة ، أيها المصلحون الغيورون على الأخلاق فذلك خير ضمان لتهدئة الشهوات الجامحة ، وخير ضامن للأخلاق " .

إن مقال سيد قطب يؤكد مصداقية محمود عبد الحليم ويؤكد صحة ما ذكره بهذا الخصوص بالرغم من عدم دقة ما أورده حيث أن دعوة سيد قطب لم تتضمن الدعوة إلى العرى التام أو بصفة دائمة بل اقتصرت الدعوة على المصايف إلا أن هذا لا يقلل من مصداقية محمود عبد الحليم سواءً حول هذه الواقعة أو حول مذكراته بصفة عامة،والتي تتمتع بقدر كبير من المصداقية التي لا يشوبها سوى عدم الدقة في بعض الأمور والتواريخ وهذا أمر طبيعي يعود إلى طبيعة المذكرات الشخصية خاصة إذا كان كاتبها يكتب من الذاكرة وبعد مضي مدة طويلة على وقوع الأحداث،وهو ما يظهر واضحاً فيما ذكره محمود عبد الحليم عن سيد قطب حيث كتبه محمود عبد الحليم بعد ما يقرب من 50 عام واعتماداً على الذاكرة .

ويبقى نقطة أخيرة لابد من الإشارة إليها وهي أن الهدف من هذا المقال التثبت من صحة هذه الرواية ومدى مصداقيتها وليس الهدف دراسة اتجاهات سيد قطب في تلك الفترة،وهل له مقالات تؤيد ما ذهب إليه في هذا المقال خاصة أنه ذكر أن له رأياً في هذا الأمر منذ سنوات فهذا الأمر متروك للباحثين لدراسته وتحليله

• نشرت هذا المقال في شهر 2010،وأعيد نشرة بمناسبة ذكري إعدام سيد قطب

. د صفوت حسين

كاتب ومحلل سياسي

المصدر