خواطر رمضانية بقلم الإمام حسن البنا
بقلم الإمام حسن البنا
مقدمة
"رمضان شهر الإرادة القوية التى تورث الحرية الصحيحة، وهو شهر الروحانية الكاملة التى تورث السخاء والجود بأعراض المادة... رمضان هو شهر التلاوة والقرآن". بهذه الكلمات عبر الإمام حسن البنا عن خصوصية هذا الشهر الكريم الذي أصطفى الله سبحانه به الأمة المحمدية، والذي جعل صيامه متلازما مع قرآنه.
حيث يرى الإمام البنا أن نزول أول آى القرآن فى رمضان أكبر دليل على كونهما رفيقان متلازمين بالإضافة إلى كون الرسول صلى الله عليه وسلم كان فى حالة نزول الآية صائمًا فكان "أصفى ما يكون نفسًا وأطهر روحًا بالتجرد والخلوة والتعبد والرياضة والتحنث فى الليالى ذوات العدد وقد كان ذلك فى شهر رمضان، ولهذا كان الصيام والقرآن شفيعين للعبد يوم القيامة". وهو ما جعل قلمه ينطلق في تعبير عن أهمية شهر رمضان وكيف لهذه الأمة أن تنتفع به في شتى مجالات حياتها وليس الجانب التعبدي فحسب.
استقبال رمضان
حاول الإمام البنا شحذ همم الناس من خلال الوصف التعبيري لخصال الشهر الكريم مما يزيد من عظمته وتمسك الناس بالفوز فيه، فقال: شهر الأمة، وشهر الصوم، وشهر القرآن، وشهر المعانى السامية التى تفيض على قلوب من عرفوا حقيقة رمضان، واتصلوا بالملأ الأعلى فيه، وسمت أرواحهم إلى مرتبة الفهم عن الله.
ثم يذكر الناس بأن يحذروا من أن يكونوا من الصنف الذي يتخذ رمضان لهوا ولعبا وسهر أو سعيا لإعداد ما تشتهيه النفس من مأكل مشرب، وطالبهم بأن يكون ممن عبدوا الله حق عبادته في هذا الشهر لأن فيه عبادات لا تعوض بعد رمضان، وخير قد لا يحوزه المسلم في غير رمضان، فقال: (وبقى بعد كل أولئك جماعة آخرون، أدوا ما أمرهم الله به من صلاة وصيام وتلاوة وقيام ومسارعة إلى الخيرات وإحسان وصدقات، ولكنهم لم يقفوا عند ظواهر الأعمال؛ بل فهموا عن الله فيها، وعرفوا ما يراد بهم منها).
حيث أوضح في كلماته أن مفهوم الصيام أكبر من ترك الطعام والشراب والشهوات فحسب، بل استطاع امتلاك أرادتهم والتخلى عن ذل العبودية لنفوسهم وشهواتهم فحلقوا بقلوبهم في سماء الحرية التي تصل بهم إلى الله سبحانه في هذا الشهر
فيقول:
- (أليس الصوم طهارة للنفوس ونقاء للأرواح، يسمو بها إلى الملأ الأعلى، ويرتفع بها إلى أفق الملكية؛ حيث يتصل بعالم غير هذا العالم؟ وأليس القرآن نبعًا فياضًا ينضح بهذه الروحانية، ويذكر النفوس بالملأ الأعلى أيضًا، ويجلو أمامها أسرار ملكوت السماوات والأرض،؟بل هو وديعة الملأ الأعلى وهديته لهذا العالم الأدنى).
كيف نستقبل رمضان؟
المسلم يشتاق دائما إلى اقتراب شهر رمضان حيث يشعر معه بصفاء النفس وطهارة القلب وزكاة الروح، فينتظره كشوق المحب، ولذا يضع أهدافه وواجباته التي يجب أن يلتزم بها خلال الشهر حتى يفوز فيه
وهو ما حاول الإمام البنا رسمه لكل مسلم فقال:
- " تجددوا يا شباب الإسلام، اخلعوا هذه النفوس الرثة البالية الخليقة الماجنة الطاغية الكاسية الضعيفة الناعمة الغارقة فى الأمانى والشهوات، واستبدلوا بها فى رمضان الجديد نفوسًا أخرى جريئة فى الحق، شاعرة بالواجب، مقدرة للأمانة، كلها فتوة وهمة وقوة، ونزوع إلى المعالى، وعزوف عن الصغائر، وطموح إلى المجد الذى خلده الله لكم فى كتابه؛ إذ يقول: "وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ" "المنافقون: 8".
- جددوا أنفسكم، وزكوا أرواحكم، واستعينوا بالصلاة والصيام والطاعة والقيام، وجددوا توبة نصوحًا تُرضى ربكم فيرضى بها عنكم، واحذروا أن يمر بكم رمضان فلا تصقل به النفوس، ولا تزكى به السرائر ولا تطهر به الأرواح، وليس بجميل أن ينادى منادى الحق - تبارك وتعالى - وقد جاء رمضان: "يا باغى الشر أقصر، ويا باغى الخير هلم"؛ فلا يبادر المسلمون إلى الإجابة، ولا يسارعون إلى تلبية الداعى البر الرحيم".
ويضيف:
- "انتهزوها فرصة، وادخلوا المدرسة لأول يوم وأنتم عازمون على الجد، مترقبون للنجاح آخر الدرس، آخذون فى وسائله وأسبابه، جددوا التوبة فى كل الأوقات، واقرءوا القرآن بتدبر وإنعام، وأشعروا النفوس فائدة الصوم، واطلبوا القيام ما أمكنكم، وأكثروا من الذكر والفكر، وارتفعوا بأرواحكم عن محيط المادة، واجعلوا نصب أعينكم هذه العلامة التى تميز بين الصائمين فى قول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ "البقرة: 183"، واخرجوا من صومكم "متقين".
مظاهر رمضان
رمضان شهر خير في السماء والأرض حيث اصطفاه الله لهذه الأمة عن بقية الشهور، حيث يتحلى بثوب الطهر والإيمان والعفاف والحرية والتجرد، وهى المعاني التي حاول الإمام البنا أن يسطرها
فقال:
- (لهذا كان اللون الذى اختاره الإسلام لرمضان لونًا روحيًّا بحتًا: صيام بالنهار، وتجرد عن المادة فى كل مظاهرها من طعام وشراب ونساء وفضول، وقيام بالليل يطول، حتى إنهم ليستعجلون الخدم بالسحور مخافة الفجر، وتلاوة لكتاب الله تتفجر من معينها ينابيع الحكمة فى نفوس القارئين).
ويضيف:
- (ليست العبادات فى الإسلام ضرائب تؤدى أو واجبات تقضى، أو فرائض تفرض فحسب، ولكنها مظهر الصلة بين الله وخلقه، ومشرق النور فى قلوبهم من ملكوته، والحجاب بينهم وبين وساوس الإثم ونزواته، ونمط من أنماط التكريم للإنسان إذ يسعد فيها بمناجاة العليم الخبير الذى بيده ملكوت كل شىء. تلك هى العبادات الإسلامية فى معناها الروحى، ثم انظر بعد ذلك على أى القواعد وضعت).
وصية مرتحل
كان الإمام البنا كل عام يوصى في كتاباته وأحدايثه وخواطره في شهر رمضان بالجد في الطاعة في هذا الشهر فقد يأتي وكثير من الناس قد فارقوا الحياة، فيقول: (فيا أيها المسلمون، هذا رمضان قد أظلكم فاحرصوا على ألا تفارقكم لياليه المباركات وأيامه الطيبات إلا وقد تزودتم فيها بما يرضى الله عنكم، ويستدر رحمته لكم فى دنياكم، ومثوبته وحسن جزائه فى أخراكم، وخير الزاد التقوى، وإنما يتقبل الله من المتقين).
للمزيد
- مجلة الإخوان المسلمون: العدد 23، السنة الأولى، 4 رمضان 1352هـ - 21 ديسمبر 1933م، صـ1 : 3.
- مجلة الإخوان المسلمون: العدد 26، السنة الأولى، 25 رمضان 1352هـ - 11 يناير 1934م، صـ1 : 3.
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية: العدد 74، السنة الأولى، 1 رمضان 1365هـ - 29 يوليو 1946م، صـ3.
- مجلة الإخوان المسلمون: العدد 161، السنة الخامسة، 1 رمضان 1366هـ - 19 يوليو 1947م، صـ6.