محمد مرسي.....مابين سياسة عليّ ومعاوية
كفر الشيخ اون لاين | خاص
يدرك أي باحث في مجال التاريخ عدم إمكانية كتابة تاريخ بشكل علمي لثورة 25 يناير،وما تلاها من أحداث قبل مرور عدة عقود عندما تهدأ الأحداث،وتتاح الوثائق والمصادر الأصلية التي تمكن الباحث من القدرة من خلال المنهج العلمي علي استخلاص حقائق تاريخية،والوصول إلي صورة أقرب لواقع ماحدث بالفعل
لذلك فإن التعامل مع إسهال الروايات الكثيرة والمتناقضة والمتضاربة لهذه الأحداث الآن علي أنها حقائق تاريخية هو أمر بعيد عن الواقع فهي كتابات تدخل في نطاق السياسة التي هي تاريخ الغد،والذي سيتعامل معها باحث التاريخ في الوقت المناسب لاستخلاص حقائق منها طبقا لمنهج البحث العلمي
وحتي مع ظهور الوثائق التاريخية بل والاتفاق علي حقيقة وقوع بعض الأحداث يبقي الخلاف في تفسير وتقييم الحدث نتيجة المنظور والرؤية التاريخية للباحث لهذا نجد أحداث لاخلاف علي وقوعها،ولكن نجد الخلاف والتباين الشديد في التفسير والتقييم لهذه الأحداث ولاشك أن الفترة التي حكم فيها محمد مرسي ستبقي محل جدل لفترة طويلة لأن ما لم يكشف عنه من أحداث دارت خلف الكواليس وفي الغرف المغلقة سواء في مصر أو في بعض العواصم العربية والإقليمية والدولية أكثر بكثير مما عرف والروايات المتاحة الآن هي للطرف المسيطر وهو الانقلاب بينما الرواية الرئيسية للطرف الآخر تظل غائبة بغياب رواية محمد مرسي للأحداث،وحتي من تكلم من المقربين من الرجل لم يصرح بكل ما يعرف لأنه يبقي أمور ليس من المناسب التصريح بها الآن ولكن المؤكد سيأتي يوم طال أم قصر سنعرف ما دار في كواليس اجتماعات المجلس العسكري،وما دار في القصر الرئاسي،ويوما ما ستكشف الوثائق عن حقيقة الموقف الأمريكي ومادار في اجتماعات البيت الأبيض وموقفه من التطورات في مصر،وسيجد الباحث ما يشفي فضوله العلمي للعديد من الأسئلة وعلامات الاستفهام التي لايجد لها إجابة الآن أو علي الأقل لا يطمئن للروايات المطروحة حولها اليوم ليس معني ذلك بطبيعة الحال الانتظار حتي تتكشف حقائق تلك الأحداث وعدم تناولها في ضوء المتاح من مصادر ومراجع مختلفة،وفي اعتقادي أن المحور الرئيسي للعام الذي قضاه مرسي في الحكم هو الصراع بينه وبين ما يسمي بالدولة العميقة
وهنا نجد العديد من الأسئلة التي تطرح نفسها حول مدي إدراك مرسي لطبيعة هذا الصراع؟ ومدي إدراكة لمدي قوة الدولة العميقة ؟وماهي الاستراتيجية التي اتبعها لمواجهتها؟ وماهي الأخطاء التي وقع فيها؟ وغيرها من الأسئلة التي سيطول حولها الجدل
ولكن يبقي بعيدا عن الموضوعية تحميل مرسي المسئولية الكاملة عما حدث واتهامه بالفشل،وعدم الأخذ في الاعتبار الظروف الذي تولي فيها الحكم فالرجل لم يتول الحكم في ظل نظام ديمقراطي مستقر تسوده قيم وثقافة الديمقراطية فالرجل جاء في أثناء ثورة وبعد عقود من الكبت والقمع والمشكلات المتراكمة،وفي ظل حالة سيكولوجية تعقب الثورات دائما من اضطراب واختلاط للأمور والتباين والاختلاف في الرؤى،وارتفاع سقف الطموحات والتطلعات والآمال العريضة التي لا تتناسب مع الواقع،وعدم الوعي وإدراك أن أهداف الثورات لن تتحقق بين يوم وليلة فضلا عن أن كل ثورة تتبعها ثورة مضادة من جانب القوي التي أضيرت منها،والتي تعمل علي استعادة مكتسباتها،وفي ظل انقسامات غالبا ما تعقب الثورات بين من قاموا بها وشاركوا فيها
كما أنه ليس من الموضوعية بمكان إلقاء كل المسؤولية علي الدولة العميقة وتبرئة ساحة مرسي من تحمل جزء ليس بالقليل عما حدث فمن المؤكد أن الرجل كان يدرك طبيعة صراعه مع الدولة العميقة،والمؤامرات التي تحاك ضده،والتي تكلم عنها أكثر من مره فقوة الدولة العميقة ومؤامراتها لاتعفيه من تحمل المسئولية
لقد أنصف التاريخ بعض الشخصيات ونالت ماتستحق من تقدير لمواقفها وإنجازاتها في الوقت التي نالت بعض الشخصيات أكثر مما تستحق بينما تجاهل التاريخ بعض الشخصيات ولم تنل ماتستحق من تكريم في الوقت الذي ظلم التاريخ بعض الشخصيات سواء في حياتها أوبعد مماتها ومن الشخصيات التي تلح علي الخاطر وهو يتأمل مايثار حول مرسي.. شخصية من أكثر الشخصيات إلي قلب الإنسان كصاحبي وقريب لرسول الله صلي الله عليه وسلم، ولسابقته في الدعوة،ومواقفه البطولية التي تتجلي فيها أخلاق الفرسان في أعلي صورها،ومع ذلك يشعر الإنسان بالآسي والألم لما عانه الرجل في فترة خلافته التي لم تصف له يوما واحدا مضت كلها في حروب ونزاعات عاني فيها من أعدائه وخصومه كما عاني من أنصاره وأتباعه علي حد سواء وظلمه التاريخ في حياته وبعد مماته إنه الإمام عليّ كرم الله وجهه
وقبل التعرض لما تعرض له الإمام عليّ أتوقف عند بعض الملاحظات :.
- أن هناك بعض التشابه والإسقاطات بين ماتعرض له علي بن أبي طالب ومرسي من انتقادات أتركها لفطنة القارئ،ولا يعني هذا بطبيعة الحال تشبيه مرسي بشخص الإمام علي
- إن الحديث هنا يتناول الجانب السياسي الذي أعقب مقتل سيدنا عثمان وتولي سيدنا علي الخلافة ولا يتعرض للصحابة الذين لهم مكانتهم خاصة الطبقة الأولي منهم
- موقف أهل السنة والجماعة من النزاع بين علي ومعاوية وإقرارهم بخلافة عليّ وأن الحق معه،وأن الخلاف الذي شجريين الصحابة هو من باب الاجتهاد وأن كل طرف كان يري أنه علي حق
لقد كان النقد الأساسي الموجه للإمام عليّ أن سيدنا معاوية يفوقه في الدهاء وقد رد الإمام عليّ على ذلك بالقول "والله ما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهي الناس" ويوضح الإمام عليّ أحد عوامل انتصار معاوية والإخفاق في معسكره،وهي المتاعب التي عاناها من أتباعه وأنصاره والتي عبر عنها بكلمات تقطر أسي ومرارة توضح مدى هذه المعاناة ومن أقواله في هذا الصدد " يا أشباه الرجال ولا رجال، حُلوم الأطفال، وعقول رَبَّات الحِجال، لوددتُ أني لم أركم ولم أعرفكم معرفة والله جرَّتْ نَدَماً، وأعقبتْ سدماً... قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحاً، وشحنتم صدري غيظاً، وجَرَّعْتُموني نُغَب التهام أنفاساً، وأفسدتم عَلَيّ رأيي بالعصيان والخذلان، حتى لقد قالت قريش: إن ابن أبي طالب رجل شجاع، ولكن لا علم له بالحرب، ولكن لا رأي لمن لا يُطاع "
ويقول" لوددت والله أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم فأخذ مني عشرة منكم وأعطاني رجلاً منهم"
أما علي الجانب الآخر فيذكر معاوية "أنه كان رجلا(يقصد عليا) لايكتم سرا وكنت كتوما لسري وكان يسعي حتي يفاجئه الأمر مفاجأة وكنت أبادر إلي ذلك وكان في أخبث جند وأشدهم خلافا وكنت أحب إلي قريش منه فنلت ما شئت"
ويوضح عمرو بن العاص في حديثه مع أبو موسي الأشعري عوامل الفوز بالخلافة فيقول "إنه لايصلح لهذا الأمر إلا رجل له ضرسان يأكل بأحدهما ويطعم بالأخرى"
فمعسكر عليّ كان يعاني من تفكك أتباعه فكان لايستطيع كتمان سر عنهم علي عكس معاوية بل كانوا يجبرونه أحيانا علي النزول علي رأيهم الذي كان يخالف موقفه كما حدث في إكراهه علي قبول التحكيم وتعيين أبو موسي كممثل له في التحكيم
ولايمكن تناول النزاع بين عليّ ومعاوية دون الأخذ في الاعتبار الجانب الاجتماعي الذي لعب دورا حاسما في هذا الصراع ففي عهد عمر بن الخطاب اتسعت الفتوحات وتدفقت الأموال وفتحت بلاد ذات حضارات عريقة فيها من مظاهر العمران والرخاء ما لم تعرفه شبه الجزيرة العربية التي اتسمت الحياة فيها بالبساطة الشديدة،وقد أقبل الناس في عهد عثمان رضي الله عنه علي مظاهر الحياة الجديدة بما فيها من ثراء وترف والذي كان يمثلها معاوية منذ ولايته بلاد الشام،والذي تجاوز دور الوالي إلي محاولة تثبيت ملك له ولأسرته من بعده بينما كان علي الطرف الآخر سيدنا عليّ المتمسك بالحياة البسيطة ولذلك نجد الإقبال علي معسكر معاوية حتي من أقرب الناس إلي عليّ كأخيه عقيل الذي رفض علي أن يعطيه من بيت مال المسلمين فانضم إلي معسكر معاوية وقد قال لمعاوية "أخي خير لي في ديني وأنت خير لي في دنياي"
وقد سأل رجل عليا لماذا كثرت الفتن في عهدك ولم تكن كذلك في عهد عمر؟ قال: لأن عمر كان أميراً على مثلي، وأنا أمير على مثلك
وقد توقف العقاد في "عبقرية الإمام" عند النقد الذي وجه للإمام عليّ بأنه رجل شجاع ولكن لاعلم له بجذع الحرب والسياسة،وقد رأي العقاد أن الذي يوجهون النقد لعليّ بأنه ليس له علم بالحرب والسياسة لم يسألوا أنفسهم هل كان في وسع عليّ أن يصنع غير ما صنع؟ وماهى العاقبة إن فعل غير ذلك؟ وهل كان من المحقق أن تكون العاقبة أفضل من العاقبة التي صار عليها ؟ ويري العقاد أن العمل بغير الرأي الذي أخذ به عليّ لم يكن مضمون النجاح ولا كان مأمون الخطر بل ربما كان الأمل في نجاحه أضعف والخطر من إتباعه أعظم
وقد استعرض العقاد المآخذ التي أخذت علي الإمام عليّ وتناولها بالتفنيد وفق منطق عقلي صارم،والذي رأي أن ناقديه نظروا إليها من الشاطئ،ولم ينظروا إليها نظرة الربان في غمرة العواصف والأمواج،وسوف أتناول أهم المآخذ وردود العقاد عليها بإيجاز شديد - قبوله الخلافة:.
بالتأكيد إن عليا كان يدرك المشكلات والفتن التي ستضرب الدولة الإسلامية بعد مقتل عثمان،وربما يبدوا اعتزاله الخلافة منذ البداية أسلم له وأهدأ لباله من الخوض في هذه المشكلات والمحن،ولكن هل كان هذا يليق برجل كعليّ أن يؤثر راحة البال والمشكلات والمخاطر تحيط بالدولة،وحتي لو آثر ذلك وتركه الثوار هل كان يتركه أصحاب السلطان في حال سبيله مع علمهم بمنزلته ومكانته وخطورته عليهم لأنه الراية التي سيتجه إليها كل ساخط عليهم
- عزل معاوية:.
فقد أشار بعض دهاة العرب على عليّ بإقرار الولاة كما هم حتي تستقر الأوضاع له ثم يعزل من يشاء ويبقي من يشاء،أوعلي الأقل يبقي علي معاوية الذي كان مكمن الخطورة لكن عليا رفض وصمم علي عزلهم
وعند تأمل موقف عليّ نجد أنه لم يكن يستطيع إقرار معاوية لأنه أشار علي عثمان أكثر من مرة بعزله فإقراره له سيفسر عند أنصاره أنه طالب حكم ،وحتي لو أقره وأعرض عن رأيه الأول فلم يكن يستطيع أن يعرض عن رأي أنصاره الذي كان إقرار عثمان لمعاوية وغيره من الولاة أهم المآخذ لديهم عليه
وحتي لو نجح في تخطي تلك الصعوبات فإن إقرار معاوية لم يكن في صالح عليّ لأن معاوية لم يكن يتصرف في الشام تصرف الوالي العادي - كما أسلفت - وبالتأكيد لمثل من هو في ذكائه ودهائه كان سيدرك الهدف من إقراره فلم يكن ليضيع الفرصة التي جاءت بعد مقتل عثمان فإقراره كان سيضعف موقف علي بين أنصاره،ويقوي موقف معاوية الذي كان إقراره يعني شهادة وتزكية له من الانتقادات التي كانت توجه له
- معاملة طلحة والزبير:.
كانت الخيارات أمام عليّ بشأنهم هي:.
الأول:. أن يوليهما العراق واليمن أوالبصرة والكوفة ولكن عليا رأي أن الأخذ بهذا الرأي يقويهم ثم ينقلبان عليه وهما أقوي مما كانا بغير ولاية
الثاني:. أن يوقع بينهما ليفترقا ولا يتفقان علي عمل وهذا الرأي محل نظر لأن الوقيعة بينهما تتطلب إعطاء أحدهما وحرمان الآخر،وفي هذه الحالة لا يضمن انقلاب من أعطاه عليه مع أي فرصة سانحة،ومن حرمه لا يأمن أن ينضم إلي معاوية،أويبقي في المدينة علي ضغينة مستورة
الثالث:. أن يعتقلهما ولا يسمح لهم بالخروج من المدينة والواقع أن حبسهما،أوعدم الإذن لهم بمغادرة المدينة لم يكن يفيد شيئا مع أنه قد استراب في طلبهما الإذن بالسفر إلي مكة فقد تسلل أُناس كثيرون إلي الشام دون عائق كما أن حبسهما كان يكسبهما تعاطف الناس خاصة أنه لم يثبت عليهما أي شي يدينهما
عزل قيس بن سعد من ولاية مصر:.
وهي من الأخطاء الذي وقع عليّ فيها حيث عزله بالشبهة دون التثبت من التهمة الموجهة اليه،وقد كان الرجل هو الأقدر علي ولاية مصر وحمايتها ولا يُعفي عليّ من الخطأ أن الشبهات حول الرجل لم تكن بالقليلة - القصاص من قتلة عثمان:.
لعل الحجة الرئيسية للذين رفضوا مبايعة عليّ والخارجين عليه هي المطالبة بالقصاص من قتلة عثمان،والغريب أنهم كانوا يطالبونه بالقصاص مع أنهم لم يبايعوه بالخلافة،والقصاص لايكون إلا لولي الأمر المعترف له بإقامة الحدود كما أنهم كانوا يدركون أن القصاص في هذا الوقت المضطرب بالفتن صعب بل مستحيل التحقيق،وكان الأولي بهم تأييد عليّ كولي للأمر حتي تستقر الأمور ويقوي علي إقامة الحدود،والأعجب أنهم عندما آلت إليهم الأمور واستقر لهم الوضع لم يأخذوا بالقصاص من قتلة عثمان
- قبول التحكيم:.
لقد أُكره علي علىّ قبول التحكيم بعد أن وقع الشقاق في معسكره حول هذا الأمر بين المؤيدين والمعارضين كما أكره علي اختيار أبي موسي الأشعري كمندوب له في التحكيم،ومع ذلك فسواء ناب عنه أبو موسي أو ابن عباس كما كان يريد عليّ فإن النتيجة كانت واحدة لأن عمرو بن العاص لم يكن ليقر عزل معاوية،وسينتهي الأمر في كل الأحوال برجوع الأمر كما كان عليه،وحتي علي فرض أن ابن عباس استطاع إقناع عمرو ابن العاص وضمه إلي معسكر علي فليس من المؤكد أن ذلك كان سيقنع معاوية بترك الأمر،وكان يستطيع أن يجد المخرج لذلك كما فعل بعد قتل جنوده لعمار بن ياسر الذي قال الرسول تقتله الفئة الباغية فكان المخرج والتفسير العجيب القول بأنه قتله من أخرجه تماما مثل الذين يرددون أن الذين قتلوا المتظاهرين ضد الانقلاب هم من أخرجوهم!!!
لقد عاني عليّ من عوامل عديدة على رأسها خبث جنوده وشدة خلافهم،ومن المرجح بل المؤكد أن هزيمة معاوية كانت مؤكدة لو أنه وضع في موضع علي وابتلي بالأسباب التي ابتلي بها
د صفوت حسين
كاتب ومحلل سياسي
المصدر
- مقال:محمد مرسي.....مابين سياسة عليّ ومعاويةموقع:كفر الشيخ أون لاين
